مفاوضات الفرصة الأخيرة بين حماس وإسرائيل
الإدراة الديمقراطية تعيش أشهرها الأخيرة في السلطة وتريد إنجازا سياسيا للناخبين المناوئين للكيان الصهيوني ممن صدمهم ما تعرض له أهل غزة من إبادة متعمدة.
في الوقت الذي أعلنت فيه حماس رفضها المقترح الأمريكي الجديد، كونه لا ينص على الوقف الدائم لإطلاق النار، والانسحاب الشامل من قطاع غزة، وإصراره على مواصلة احتلال مفترق نتساريم، ومعبر رفح وممر فيلادلفيا، ووضع شروط جديدة في ملف تبادل الأسرى، وتراجع عن بنود أخرى، مما يحول دون إنجاز صفقة التبادل”.
نتنياهو.. والمقترح الأمريكي
لكن المتغير المفاجئ هو تأكيد نتنياهو، بعد اجتماع دام ثلاث ساعات مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن التزام “إسرائيل” بالمقترح الأميركي الأخير بشأن إطلاق سراح المختطفين، الذي يأخذ في الاعتبار احتياجات إسرائيل الأمنية، وهذا يعني أن الولايات المتحدة باتت طرفا بعد أن أخذ مقترحها الجديد بما سماها نتنياهو احتياجات كيانه الأمنية وهو المقترح الذي رفضته حماس، لكن على ضوء ذلك ما مدى واقعية قول الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن وقف إطلاق النار في قطاع غزة ما زال ممكنًا.
إن خريطة المواقف الآن بعد رفض حماس وقبول الكيان للمقترح الأمريكي المعدل تشير إلى أن المسافة بين محددات كل طرف ما تزال كبيرة، لكنها ليست غير قابلة للجسر ارتباطا بما لدى كل طرف من فائض يمكن أن يقدمه لجسر المسافات، لكن من الصعب أن يؤخذ من حماس في المفاوضات ما عجز الكيان عن أخذه في الميدان.. لا سيما أن حماس تطالب بما تعتبره أمرا موضوعيا من ضرورة مغادرة الاحتلال قطاع غزة إذ لا يمكن تصور قبول حماس شروط نتنياهو حتى بعد أن باتت ورقة الضغط بالمختطفين لا تعني الكثير بالنسبة لنتنياهو، فهي لم تعد الورقة الأهم بعد.
ترويض الرأي العام في الكيان حتى لقبول مقتلهم وهذا يعني أن حماس لن تستفيد كثيرا من استخدام ورقة المختطفين في المساومة كونها بالنسبة لنتنياهو لم تعد هي الأهم ليستعيض عنها بما اعتبرها “مبادئ يجب الحفاظ عليها، لأنها حيوية لأمن” الكيان، ولذلك قال “هناك أمور يمكننا أن نكون مرنين بشأنها، وهناك أخرى لا يسعنا فيها ذلك، ونحن نصر كما قال عليها، لكنه أعرب عن تشاؤمه من الوصول إلى اتفاق مع حركة “حماس” لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وهذا هو ما يريده، وقال خلال اجتماع وزاري، إن فرص التوصل إلى اتفاق “ليست كبيرة”، مشيراً إلى أن “إسرائيل كانت تتفاوض بشكل فعال مع الدول الوسيطة، وليس مع حماس، خلال الأيام الأخيرة”.
حماس.. المقترح مرفوض
لكن السؤال هو: على أي أساس ستقبل حماس بهذه الصفقة طالما أن المقترح الأمريكي لم يأخذ هواجسها وطلباتها في الاعتبار عندما يقلص تواجد جيش الاحتلال في محور فيلادلفيا بدلا من انسحابه نهائيا، كما أنه يعيد السلطة الوطنية الفلسطينية إلى معبر رفح، وهي التي ترى فيها حماس خصما وربما ما هو أكثر من ذلك، لإدارة معبر رفح الذي اعتبرته حماس من جانب واحد عنوانا سياديا لسطوتها وهيمنتها على قطاع غزة، منذ الانقلاب الذي نفذته عام 2007، وهذا يعني حرمان حماس التي تملك القوة العسكرية حتى بعد كل ما جرى مما تعتبره حقا مكتسبا دافعت عن استمراره مع كل ما لحق بغزة وأهلها من حصار منذ أن سيطرت على القطاع حفاظا على نموذجها الفكري والاجتماعي في حده الأدنى بعد أن فشلت في تحويله إلى نسخة اجتماعية وفكرية وثقافية وسياسية منها.
ويتضمن المقترح الأمريكي الإصرار على مراقبة قوات الاحتلال النازحين العائدين لشمال قطاع غزة في محور نتساريم كي لا يتسرب من بقي حيا من مسلحي حماس إلى مناطق شمال القطاع.
اقرأ أيضا| خلف أبواب مغلقة: حماس والمواجهة المزدوجة بين المفاوضات والميدان
كما يشمل إبعاد عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين الذين ستفرج عنهم إسرائيل في صفقة التبادل إلى خارج فلسطين، والمقترح يمنح كيان الاحتلال حق رفض إطلاق سراح عدد لا يقل عن 100 أسير فلسطيني. وهذا من شأنه حرمان حماس، من استثمار الإفراج عن أسماء محددة جماهيريا ووطنيا، باعتباره نصرا، وهو أمر له أولوية لديها كما أكد السنوار، حتى لو كان الثمن 40 ألف شهيد و10 آلاف مفقود وأكثر من 90 ألف مصاب، وكل هذا الخراب الذي لحق بغزة ويحتاج لعقود حتى تندمل جراحه.
رأي المؤسسة العسكرية
لكن اللافت هو أن المؤسسة الأمنية حثت نتنياهو على قبول الصفقة حتى لو كانت العقدة هي محور فيلادلفيا الذي يمكن حسب رأيها التخلي عنه مؤقتا، من أجل عودة المختطفين ثم العودة إليه لاحقا، وربما هذه هي الورقة المهمة، لأن السؤال عندها ما الذي يمنع الاحتلال من العودة مرة اخرى إلى محور فيلادلفيا أوغيره؟ وهو الذي لم يلتزم منذ زرعه في فلسطين بأي قرار من مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية.
إذا ما قاربنا هذا السؤال في سياق ميزان قوى الطرفين بعد سحب ورقة المختطفين من المدنيين والأسرى العسكريين من أيدي حماس، لكن حماس مع ذلك ربما تفكر في ورقه هامة جدا، وإن كانت ليست ذات صلاحية دائمة، قياسا بما وعدت به طهران والضاحية الجنوبية من بيروت، من تأجيل الرد على اغتيال رئيس أركان حزب الله فؤاد شكر وإسماعيل هنية زعيم حماس، كي تفتح مجالا لمفاوضات وقف الحرب على غزة، وإن بشكل غير مباشر.
وهنا ربما تبرز،عملية الربط بين إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار والرد من قبل طهران وحزب الله على الاغتيالين، وهي ورقة قد تمثل معادل ردع، ولكن من التبسيط بمكان اعتبار تلك الورقة ضمن معادلة دولية وإقليمية يمكن المناورة بها دون تحمل نتائج ذلك، في إيران ولبنان وربما في دول الإقليم، وهنا يصبح السؤال له علاقة بحساب الأرباح والخسائر، لدى البعض لكنه قد يكون له لدى دول أخرى علاقة بتأكيد الذات والحضور بما يتجاوز مسألة غزة وحماس إلى البعد الجيوسياسي لبعض الدول.
بايدن .. عين على الانتخابات
ولأن الإدراة الديمقراطية تعيش أشهرها الأخيرة في السلطة وتريد إنجازا سياسيا للناخبين المناوئين للكيان الصهيوني ممن صدمهم ما تعرض له أهل غزة من إبادة متعمدة، وكذلك أولئك الذين ينتمون فكريا وسياسيا لمشروع الحركة الصهيونية في فلسطين. تأتي زيارة أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الذي قال إن المفاوضات الجارية ” ربما تكون الفرصة الأخيرة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب”, ووضع “الجميع على مسار أفضل لتحقيق سلام وأمن دائمين”.
إن ورقة الحل في يد واشنطن التي بإمكانها أن تضغط على نتنياهو من أجل تمرير الصفقة، فيما على الدول العربية إقناع حماس أن مكسبها هو وقف نزيفها الذاتي وإنقاذ أهل غزة من نكبة غير مسبوقة أجبروا على دفع ثمنها. جراء قرار له ما له، وعليه ما عليه. فهل تنجح هذه الجهود في وقف محرقة غزة الجواب حصرا يقرره الكيان الصهيوني وحماس وفق حساباتهما الخاصة.
2 تعليقات